قال خبير طبي من المستشفى الأمريكي البارز كليفلاند كلينك، إن النصيحة الشائعة المتمثلة في الدعوة إلى فقدان الوزن عبر "تناول كميات أقل من الطعام وممارسة قدر أكبر من الحركة"، لا تُحرز القدر المأمول من النجاح مع جميع من يعانون الوزن الزائد أو المصابين بالسمنة عند اتباعهم لها، داعيًا إياهم إلى البحث عن طبيب يفهم حالتهم التي قد تكون معقدة، ويدرك العلاجات الناشئة المتاحة في هذا المجال.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تضاعفت الإصابات بالسمنة ثلاث مرات تقريبًا في جميع أنحاء العالم منذ العام 1975، وتُظهر أحدث الأرقام المتاحة، والتي تعود للعام 2016، أن أكثر من 1.9 مليار شخص ممن بلغوا 18 عامًا أو أكثر من العمر، كانوا من ذوي الوزن الزائد، وأن أكثر من 650 مليونًا منهم كانوا يعانون السمنة.
لكن الدكتور دبليو سكوت بوتش مدير طب السمنة في معهد السمنة والأيض بكليفلاند كلينك بالولايات المتحدة، أكّد أن الباحثين والأطباء يواصلون كشف المزيد من الحقائق عن مرض السمنة، لافتًا إلى أن خيارات العلاج الصيدلانية والتنظيرية آخذة في التنوع، وقال: "بتنا نعلم الآن أن العديد من العوامل الجينية والبيولوجية والتنموية والسلوكية والبيئية تساهم في زيادة الوزن وتفاقم مشكلة السمنة، ومع ذلك ما زال هناك اعتقاد شائع بأن السمنة مرتبطة باختيار نمط الحياة، وأن الناس يصابون بها لأنهم يختارون تناول الكثير من الطعام أو ممارسة القليل من الرياضة".
وأضاف أن الأشخاص المصابين بالسمنة يتعرضون للوصم والتنميط في العديد من جوانب حياتهم، مشيرًا إلى أن ذلك يحدث أحيانًا حتى في الأماكن التي يلجؤون إليها طلبًا للمساعدة".
تحيّز الرعاية الصحية في مسألة الوزن
وجدت الدراسات أن التحيّز في مسألة الوزن أمر شائع في الرعاية الصحية، بحسب الدكتور بوتش، الذي قال إن تلك الدراسات أظهرت أن سعي الممارسين الطبيين الحثيث لتقديم أفضل رعاية ممكنة للمصابين بالسمنة لم يحُل دون أن يُكنّ بعضهم مشاعر سلبية تجاه مرضاهم، كالشعور بأن وضعهم العلاجي خارج عن السيطرة".
ورأى الدكتور بوتش أن هذه المواقف تؤثر سلبًا في رعاية المرضى، وقال: "قد تشبه دعوة الطبيب مريضه إلى تناول طعام أقلّ وممارسة المزيد من النشاط البدني، دعوة شخص مصاب بالاكتئاب إلى الابتهاج، وهو ما لا يمكن أن يُقدم عليه طبيب العلاج النفسي، في حين نجد بعض الأطباء لا يُظهر أي تحفظ في تقديم مثل هذه التوصيات إلى مرضى السمنة"!
وأكّد في المقابل حاجة الممارسين الطبيين إلى أن يكونوا على دراية أفضل ببيولوجيا السمنة، بالإضافة إلى العوامل التي تؤثر فيها، والنظر في احتمال أن يكونوا متحيّزين في مشاعرهم ومواقفهم.
وكانت دراسة حديثة نشرها الدكتور بوتش، أظهرت أن 10 بالمئة فقط من عمداء كليات الطب الأمريكية أفادوا أن طلبة الطب لديهم كانوا "على استعداد تامّ" للتعامل مع مرضى السمنة، موضحًا أنه في أكثر من ربع كليات الطب لم يُراع الاحترام مراعاة تامة أو كافية في التواصل مع المرضى الذين يعانون السمنة.
وأضاف: "من المعروف أن السمنة تزيد خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسرطان، ما يجعل نقاش هذه المخاطر موضوعًا مناسبًا ومهمًا لحديث الأطباء مع مرضاهم، لكن المرضى يستحقون أن ينطلق الحديث في هذا الشأن من باب الموضوعية والتعاطف".
فهم أسباب السمنة
وأكّد الدكتور بوتش أهمية أن يفهم المرضى أنفسهم الطبيعة المعقدة للسمنة، مشيرًا إلى وجود نظام فسيولوجي مُحكم يُنظّم وزن الجسم ويهدف إلى إبقائه في نقطة محددة، وأن هذا النظام نفسه يمكن أن تعيق فقدان الوزن، وأضاف: "عندما يكون شخص ما غير قادر على إنقاص وزنه، فقد لا يكون هذا خطأه بالضرورة، وعليه ألا يوبّخ نفسه، مثلما أن على الجهة الطبية التي يلجأ لها ألا تلومه على ذلك".
وغالبًا ما يرى الأشخاص المصابون بالسمنة أن ثمّة طريقين فقط للعلاج: ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي، أو الخضوع لعملية جراحية، وذلك لجهلهم بالتعقيدات الكامنة في مسألة السمنة، بحسب الخبير الطبي الذي أوضح أن تعدّد أنواع السمنة يقضي بضرورة تعدد أشكال العلاج، مؤكّدًا أنه ما من علاج واحد يناسب الجميع. وأضاف: "يمكن أن يحدد فهمنا لموقع المريض في رحلة إنقاص وزنه، ومدى تأثير الوزن الزائد على صحته وجودة حياته، مسار العلاج الذي نختاره له".
وشدّد الدكتور بوتش على أهمية إجراء مراجعة شاملة لحالة كل مريض على حدة، وأضاف: "عندما يأتي مريض مصاب بالسمنة لزيارتنا، ينبغي علينا النظر في تاريخ إصابته، لكن في أحيان كثيرة لا تبذل المؤسسة الطبية الجهد اللازم لفهم التطور الذي حصل في وزن الشخص طوال حياته". وأوضح أن تحديد العوامل التي ساهمت في زيادة الوزن لدى شخص مصاب بالسمنة لا تفيد في تحديد خيارات العلاج الأنسب له فقط وإنما في تخفيف حدة اللوم الذاتي التي غالبا ما يلجأ إليها هذا الشخص.
البحث عن أفضل السبل
يُعدّ علاج السمنة، بحسب مدير طب السمنة في معهد السمنة والأيض بكليفلاند كلينك "مجموعة من الإجراءات المستمرة التي إذا لم ينجح المريض في تحقيق الهدف المنشود بعد اتباع أحدها لعدة أشهر، فإن على الطبيب والمريض التفكير في تجربة إجراءات علاجية غيرها، ولكن يظلّ الاهتمام بالحصول على العلاج لدى طبيب يتمتع بفهم أعمق لمشكلة السمنة، هو الأساس المتين الذي تقوم عليه تلك الإجراءات".
وانتهى إلى القول: "إذا شعرت بأن طبيبك هو من النوع الذي يُطلق الأحكام، فأمامك الفرصة للبحث عن طبيب غيره يكون أكثر دراية في مجال السمنة وأقدر على إبداء التعاطف الإيجابي تجاه مرضاه".