الثقة بالنفس هي على الأرجح أهم جزء من الشخصية، فهي تسبق وتتنبأ بأدائك في أي عمل تقوم به، إنها مصدر الطاقة أو مولد الحركة لشخصيتك، حيث ينبىء مقدار ما تملكه من ثقة بالنفس بمستوى حيويتك وحماسك وجاذبيتك. إن الأشخاص الذين يملكون ثقة عالية بأنفسهم يكونون أكثر ايجابية ومحبوبين أكثر وفعالين أكثر في جميع جوانب حياتهم.
إن كل شيء تقوله أو تفعله أو تفكر به سوف يؤثر على تقتك بنفسك، ولهذا فإن من واجبك المحافظة على مستوى قفتك بنفسك عالياً وايجابياً على الدوام.
ربما كان أفضل تعريف للثقة بالنفس هو ما يلي: إنه المستوى الذي تحترم به نفسك وتقدر ذاتك كشخص مهم يستحق التقدير.
إن الأشخاص الذين يتمتعون بثقة عالية بأنفسهم يشعرون بالفخر بأنفسهم وبحياتهم، وعليه فعندما تشعر بالرضا الحقيقي عن نفسك تميل لأن تكون أفضل شخص يمكن أن تكونه.
إن مستوى ثقتك بنفسك هو في الحقيقة مستوى:
سلامتك العقلية وهو مقياس لمدى صحتك وصلابتك ومرونتك في التعامل مع ظروف الحياة اليومية المتبدلة صعوداً وهبوطاً.
وهو يحدد مقدار ما تملكه من هدوء عقلي ورضى داخلي، هذا علاوة على أنه مرتبط تماماً مع صحتك وما تملكه من طاقة للحياة، ولعلنا نلاحظ أن الأشخاص الذين يملكون ثقة عالية بأنفسهم نادراً من نراهم مريضين ويبدو أن لديهم معيناً لا ينضب من الطاقة والحماس وهذا ما يؤدي الى تقدمهم باضطراد نحو تحقيق أهدافهم.
إن مستوى حبك لذاتك ورضاك عن نفسك يحدد نوعية علاقاتك مع الناس، فكلما زاد حبك لذاتك واستمتاعك، كلما زاد حبك للآخرين وامتاعهم، وكلما زاد بالتالي حبهم لك. وفي الحقيقة، عندما تتعرض ثقتك بنفسك لأذى معين فإن أول شيء سيتأثر هي طريقتك في الإنسجام مع الآخرين.
لكي تقوم بمهامك على أكمل وجه وبالتالي لكي تشعر بالإعتزاز بنفسك، ينبغي عليك أن تكون في شغل دائم نحو بناء ثقتك بنفسك وصيانتها، وكما تتولى دائماً المسؤولية الكاملة عن لياقتك الجسمانية فيجب أن تتولى المسؤولية الكاملة أيضاً عن لياقتك العقلية.
لقد قمت بتطوير معادلة بسيطة تحتوي على جميع العناصر الأساسية لبناء الثقة بالنفس، وتستطيع عزيزي القارىء أن تستخدم هذه المعادلة على الدوام لضمان قيامك بواجباتك في حياتك على أكمل وجه، وتشتمل هذه المعادلة على ستة عناصر. إنها الأهداف والمعايير والتجارب الناجحة ونتائج المقارنة مع الآخرين والشهرة إضافة الى المكافآت، فلنأخذ كل واحد من هذه العناصر وحده.
إن مقدار حبك لذاتك واحترامك لنفسك يرتبطان ارتباطاً مباشراً بالأهداف التي ترسمها لنفسك، فمجرد وضع أهداف كبيرة لنفسك ينطوي على قدر من التحدي، ورسمك لخطط عملية وواقعية لتحقيق تلك الاهداف، كل هذا يساهم بشكل مباشر في زيادة ثقتك بنفسك وبالتالي زيادة احترامك لذاتك.
إن الثقة بالنفس عبارة عن حالة تشعر بها عزيزي القارىء عندما تبدأ بالصعود درجة درجة نحو تحقيق هدف مهم وضعته لنفسك، وهكذا فمن المهم لك وضع أهداف واضحة لمراحل حياتك وأن تعمل بشكل متواصل لتحقيق هذه الأهداف، وهنا تسهم كل خطوة تتقدمها في تعزيز ثقتك بنفسك فتشعر بأنك أكثر ايجابية في حياتك وأنك أكثر فعالية في كل أمر آخر تفعله.
العنصر الثاني من عناصر الثقة بالنفس هو التزامك بمجموعة من المعايير والقيم الشخصية في حياتك. إن النساء والرجال، كبيري الثقة بأنفسهم، واضحون جداً مع أنفسهم ومع الآخرين فيما يؤمنون به، وهكذا فكلما كانت قيمك ومثالياتك سامية أكثر وكلما إزداد تمسكك والتزامك بها كلما زاد احترامك لذاتك وزادات ثقتك بنفسك.
إن الثقة الدائمة بالنفس لا تتأتى إلا إذا كانت أهدافك وقيمك متوائمة بالكامل كموائمة الكف مع القفاز، كما أن كثيراً من الضغط النفسي الذي يعاني منه الناس يأتي من ايمانهم بشيء ومحاولتهم فعل شيء مغاير، ولكن عندما تكون أهدافك وقيمك منسجمة مع بعضها فإنك تشعر بدفقة من الطاقة والعافية وهذان أكبر دليلين على أنك بدأت بالتقدم الحقيقي.
يشكو لي كثير من الناس من أنهم غير سعيدين في أعمالهم بسبب أنهم لا يستطيعون إحراز أي تقدم، مهما بذلوا من جهد، وفي العادة فإنني أسألهم إذا ما كانوا يعملون في المجال الذي يهتمون به فعلاً ويمارسون ما يؤمنون به حقاً عند أدائهم لعملهم. وفي كثير من الحالات، يدرك هؤلاء الناس أن سبب تعاستهم هي في انخراطهم في أعمال لا تتناسب وميولهم، وحالما قاموا بتغيير طبيعة عملهم وبدأوا بممارسة أعمال تستهويهم وتتلائم وطبيعة دخائلهم فإنهم يبدأون بإحراز تقدم حقيقي في أعمالهم ويأخذون بالشعور بالقناعة بما يؤدونه في هذه الأعمال.
العنصر الثالث من عناصر معادلة بناء الثقة بالنفس هو المرور بتجارب ناجحة في الحياة، فحالما انتهيت من وضع أهدافك ومعاييرك في الحياة، ينبغي عليك أن تجعلها قابلة للقياس بحيث يمكنك أن تقيس نجاحاتك الصغيرة والكبيرة على طول الطريق. إن مجرد وضع الهدف بحد ذاته ومن ثم تقسيمه الى أجزاء أصغر وتحقيقها يشعرك بالفوز ويعزز ثقتك بنفسك إلى حد كبير. لكن تذكر دائماً أنه لا يمكنك إصابة هدف لا تستطيع رؤيته، كما أنه لا يمكنك الشعور بتحقيق الإنتصار إلا إذا قمت بوضع معايير لقياس النجاح.
لنقل على سبيل المثال أنك وضعت نصب عينيك بيع كمية معينة من سلعة ما، أو تحقيق دخل معين في سنة ما، إذا قمت بتجزيء هذا الهدف الى أهداف شهرية أو أسبوعية وتمكنت من تحقيق الهدف الاول منها فستشعر بالفخر بنفسك، وستزيد ثقتك بنفسك طردياً كلما وصلت الى نقطة مشابهة على طول الطريق مما يعمق شعورك بالشجاعة والحماس للإنطلاق نحو تنفيذ باقي أهدافك.
أما العنصر الرابع من عناصر معادلة الثقة بالنفس فهو المقارنة مع الآخرين. لقد استنتج ليون فستنغر من جامعة هارفارد أنه عندما نحاول قياس نجاحنا فإننا لا نقارن أنفسنا باستخدام معايير مطلقة ولكننا نقيس أنفسنا مع أناس نعرفهم. ولكي تشعر بالنجاح يجب أن تتأكد أنك قد حققت نجاحاً يوازي ما حققه هؤلاء الناس أو يفوقه. وعليه فكلما زادت معرفتك بمدى نجاح الآخرين في أدائهم لعملهم المشابه لعملك وكلما زاد شبه نجاحك بنجاحاتهم كلما زاد شعورك بتحقيق النجاح وكلما زادت ثقتك بنفسك.
الناس الناجحون يقارنون أنفسهم على الدوام بأناس ناجحين آخرين، إنهم يفكرون بهم ويقرأون عنهم ويدرسون أفعالهم، ثم يعملون من أجل تجاوزهم خطوة خطوة. وفي النهاية يصل الناس الناجحون إلى نقطة لا يمكن عندها مقارنتهم إلا مع أنفسهم أو مع إنجازاتهم السابقة، وهذا لا يتأتى إلا عندما يبلغون القمة تاركين جميع منافسيهم يتلكأون خلفهم.
العنصر الخامس من عناصر الثقة بالنفس، هو الإعتراف بانجازاتك من قبل اناس تحترمهم وتعتز برأيهم. فلكي تشعر فعلاً بالاعتزاز بنفسك، أنت بحاجة لاعتراف أناس تحترم رأيهم، كرئيسك في العمل أو زملائك أو زوجتك أو الناس الآخرين في محيطك الإجتماعي. وكلما حصلت على اعتراف أو ثناء على انجاز قمت بتحقيقه من شخص تحترم رأيه كلما زادت ثقتك بنفسك وهذا يا يزيد حماسك وتطلعك لتحقيق مزيد من الإنجاز في مجال عملك.
أما العنصر الأخير من عناصر بناء الثقة بالنفس فهي المكافآت أو الحوافز التي تحصل عليها لقاء انجازاتك. قد تكون تعمل في مجال يمكن فيه الحصول على مكافآت مادية أو شارات ترفيع رتبية أو مكاتب أوسع أو سيارة أكبر وحتى دروع أو كؤوس فخرية لقاء الانجازات الكبيرة. إن جميع هذه الرموز يمكن أن يكون لها تأثير كبير على ثقتك بنفسك واعتزازك بذاتك.
أما إذا كانت البيئة التي تعمل بها لا توفر مثل هذه الحوافز الملموسة وغير الملموسة فيجب عليك أن تخترع لنفسك بعض المكافآت، وقد يكون من الذكاء أن تصمم نظاماً لمكافئة نفسك على الإنجازات الصغيرة والكبيرة التي تحققها في مسيرك نحو تحقيق أهدافك العظمى، فعلى سبيل المثال: يلجأ العاملون في مقاسم الهواتف إلى مكافئة أنفسهم باحتساء قدح من القهوة بعد استقبال وتحويل عدد مهم من المكالمات ولنقل (10) مكالمات، وبعد (25) مكالمة يكافئون أنفسهم بأخذ جولة حول المبنى أو في الجوار، أما بعد (50) مكالمة فإنهم يذهبون لتناول الغداء. إن كل واحدة من هذه المكافآت تسهم كحافز يشجعهم على تكرير ما قاموا به والنهاية المنشودة هي النجاح والحماس لأداء العمل ثم الثقة بالنفس.
هنا لا بد من القول أنه سواء كانت البيئة التي تعمل بها توفر عناصر بناء الثقة بالنفس آنفة الذكر أم لا: الاهداف والمعايير وتجارب النجاح والمقارنة مع الآخرين والحصول على التقدير أو العرفان والمكافآت. فيجب عليك أن تصمم نظامك الخاص وتتولى المسؤولية الكاملة عن بناء نفسك ونجاحاتك بشكل مستمر .
من الممكن بالطبع أن تحب ذاتك بشكل مجرد وأن تبدأ بالتفكير بنفسك كشخص مهم ذي قيمة، ولكن هذا سيكون شكلاً مهزوزاً من أشكال الثقة بالنفس يمكن أن يتحطم بسهولة عند أول تجربة خطيرة حقيقية أو عند أول إخفاق عارض على الطريق، أما الطريقة الحقيقية المثلى لكي توقن أنك شخص مهم وذو قيمة فهي قيامك بالعمل الحقيقي بنفسك فتتجاوز المصاعب وتدفع ثمن العناصر الستة أعلاه لتدخلها في حياتك، وعندما تؤسس هذه القاعدة جيداً سوف تشعر باللياقة العقلية والتفاؤل الراسخ اللذين سيحافظان عليك عند مرورك بالمحن ويفعان بك نحو الانتصارات.